الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **
الجزء الثاني وهو زكريا بن أدي وقيار: ابن برخيا من أولاد سليمان بن داوود عليهما السلام أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا القطيعي قال: حدَّثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: حدَثنا بريد قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي نافع عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كان زكريا نجارًا " ذكر الأحداث في زمن زكريا وجود نذر حنة بنتِ فاقُود فإنها لمَا حملت نذرت حملها محررًا لله تعالى ليكون في المسجد متعبدًا. فلما وضعت مريم جاءت بها إلى العُبَّاد فاقترعوا على كفالتها فرموا أقلامهم مع جرية الماء فرسبت وصعد قلم زكريا فكفلها وكانت أخت مريم عند زكريا فلما رأى رزقها يأتي من غير كلفة سأل ربه عز وجل ولدًا وكانت زوجته اسمها: أشياع بنت عمران وهي أختَ مريم فجاءته بيحيي وطلب آيَةَ على وجود الحمل لأن الحمل لا يتحقق بأوله ليبادر بالشكر فأمسك لسانه عن كلام الناس من غير مرض ولم يمسك عن الذكر للهّ سبحانه وتعالى. قال الربيع بن أنس: لمَّا سمع اليهود كلام عيسى في المهد حسدوا زكريا وعادوه وكان أخبرهم قبل ذلك بحبل مريم فتغامزوا به وقد وجدوا ذلك مكتوبًا عندهم كيف يكون وأخبرهم به سليمان فالتمسوا زكريا ليقتلوه فهرب حتى انتهى إلى شجرة عظيمة فتجوفت له ودخل فيها فجاءوا يطيفون بالشجرة فرأوا هدبة من ثوبه فقطعوا الشجرة حتى خلصوا إليه فقتلوه. وقال السُديّ: اتهموا زكريا وقالوا: هو أحبل مريم فطلبوه فهرب إلى الشجرة. قال أحمد بن جعفر المنادي: وكان له من العمر أقل من مائة سنة.
قال مؤلف الكتاب: ولد يحيى قبل عيسى عليه السلام بستة أشهر. وقيل: قبل أن يرفع عيسى عليه السلام وكان يحيى قد رزق الفطنة والفهم في زمن الصبا من الصغر. قال قتادة في قوله: قال: ابن ثلاث سنين. قال علماء السير: نبىء يحيى صغيرًا. فساح ثم دخل الشام يدعو الناس وكان طعامه الجراد وقلوب الشجر. وكان يحيى كثير العبادة غزير الدمعة. أخبرنا المحمدان: ابن ناصر وابن عبد الباقي قالا: أخبرنا أحمد بن أحمد قال: أخبرنا أبو نعيم الأصفهاني قال: عبد اللّه بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن الحسين قال: حدًثني سعيد بن شرحبيل قال: حدَّثنا سعيد بن عطارد عن وهيب بن الورد قال: كان ليحيى بن زكريا خطان في خديه من البكاء فقال له أبوه زكريا: إني إنما سألت الله عز وجل ولدًا تَقرُّ به عيني فقال: يا أبت إن جبريل عليه السلام أخبرني أن بين الجنة والنار مفازة لا يقطعها إلأ كل بكَاء. ذكر سبب قتل يحيى بن زكريا روى الأعمش عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: بعث عيسى بن مريم يحيى بن زكريا في اثني عشر من الحواريين يعَلِّمُون الناس وكان فيما نهوْهم عنه نكاح ابنة الأخ وكان لملَكِهِم ابنة أخٍ تُعجبه يريد أن يتزوَجها وكان لها كل يوم حاجة يقضيها فبلغ ذلك امها فقالت لها: إذا دخلتِ على المَلِك فسألك ما حاجتك فقولي: حاجتي أن تذبح لي يحيى فقالت له: فقال: سَلي غير هذا قالت: ما أسأل غَيْره. فدعي يحيى ودعا بطست فذبحه فندرت قطرة من دَمِهِ على الأرض فلم تَزَلْ تغلي حتى بعث اللّه بخت نصّر عليهم فجاءته عجوز من بني إسرائيل فدلته على ذلك الدم فألقى اللّه عز وروى الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي عن مشيم مولى معاوية: أن ملكًا في بني إسرائيل كانت له امرأة وكان لها بنية يحبها أبوها وكان لها عليه كل يوم حاجة فقالت لها أمها: إذا سألك ما حاجتك فقولي: رأس يحيى بن زكريا فلما جاءته وسقته ووقفت بين يديه قال لها: ما حاجتك قالت: رأس يحيى بن زكريا فزجرها وأغضبه ذلك فولَّت عنه فقال له من حوله من المنافقين: وما يحيى وما رأس يحيى فقال: ادفعوا إليها رأس يحيى. فأتوه وإنه لقائم يصلي في ناحية كنيسة جيرون بدمشق فاجتزوا رأسه فجعلوه في طبق وأمر بدفعه إلى جارية ابنته فولَت به ذاهبة إلى أمها فلما كانت عند المطهرة التي على درج دمشق خُسِفَ بها فقيل لأمها: أدركي ابنتك فخرجت حاسرة عن وجهها حتى وقفت عليها وقد ذهبت الأرض بجثتها فلم يبق منها إلا رأسها فقالت: اجتزوا الرأس نغسله ونكفنه ونبكي عليه ففعلوا فلما صار بأيديهم نفضت الأرض الجثة فألقتها إليهم. قال الربيع بن أنس: كانت للملك ابنة شابة فكانت تأتي أباها فتغني عنده حتى إذا أرادت الرجوع قال لها: سلي حاجتك وأن أمها رأت يحيى قد أعطي حُسنًا وجمالا فأرادته على نفسه فأبى عليها فقالت له: إني قاتلتك أو تأتي حاجتي فقال: معاذ الله. فقالت لابنتها: إذا فلما جاءت وقال: سلي حاجتك قالت: رأس يحيى فقال: ارجعي إلى أمك فتأمرك بما هو خير لك من هذا. فرجعت إلى أمها فحدثتها فقالت لا تسأليه إلا رأس يحيى. فلما جاءت فيِ الليلة الثانية فغنته قال: سلي حاجتك قالت: رأس يحيى. فقال: ارجعي إلى أمك فتأمرك بما هو أنفع لك من هذا فرجعت إليها فقالت: لا تسأليه إلا رأس يحيى. فلما جاءت في الليلة الثالثة فغنته قال: سلي حاجتك قالت: رأس يحيى فقال: ارجعي إلى أمك فتأمرك بما هو أنفع لك من هذا. فرجعت إليها فقالت: لا تسأليه إلا رأس يحيى. فقال: لك ما سألت فرجعت إلى أمها فَرِحَة فأخبرتها. فأرسلت إلى يحيى فقالت إني قد أعطيت رأسك إن لم تأتِ حاجَتي فأبى عليها فقالت له إني ذابحتك. فذبحته ثم ندمت وجعلت تنادي: ويل لها ويل لها. حتى ماتت فهي أول امرأة تدخل النار وأن الدم صار يغلي ولا يسكن وإن بخت نصّر جاز عليه فسأل عنه فقالوا: هذا دم يحيى بن زكريا قتلته امرأة خيارهم. وكان عبد الله بن الزبير يقول: من أنكر الباقلاني لا أنكره لقد ذكر لي أنه إنما قتل يحيى بن زكريا في زانية كانت جارة له. وروى يزيد بن هارون عن سليمان التميمة عن أسلم العجلي عن أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهما: أن امرأة يقال لها " ربة " قتلت يحيى بن زكريا فأتت برأسه في طست فأمرت الأرض فأخذتها. وقال عبد اللّه بن عمر: وقتلت تلك المرأة في يوم سبعين نبيًا وهي مكتوبة في التوراة: مقتلة الأنبياء وأنها على منبر في النار يَسمع صراخها أقصى أهل النار. أنبأنا محمد بن ناصر قال: أنبأنا جعفر بن أحمد السراج قال: أخبرنا أبو القاسم: عبد الله بن عمر بن شاهين قال: حدَّثنا أبي قال: أخبرنا الحسين بن محمد بن عقبة الانصاري قال: حدَّثنا أبو تمام قال: حدَّثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني ابن لهيِعة عن عمارة بن غزية عن عروة بن الزبير قال: اسم المرأة التي قتلت يحيى بن زكريا لا " أزبيل " وإنها قتلت سبعين نبيًا آخرهم يحيى بن زكريا. وروت فاطمة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن يحيى بن زكريا عليهما السلام مكث في بني إسرائيل أربعين سنة ". قال قتادة: قتل بدمشق. ذكر ما عوقب به بنو إسرائيل لقتلهم يحيى بن زكريا أقال النبي صلي الله عليه وسلم: " من هوان الدنيا على اللّه تعالى أن يحيى بن زكريا قتلته إمرأة. زعم السدي عن أشياخه: أن رجلًا رأى في المنام أن خراب بيت المقدس وهلاك بني إسرائيل على يدي غلام يتيم ابن أرملةٍ من أهل بابل يدعى " بخت نصر " فأقبل يسأل عنه حتى نزل على أمّه وهي تحتطب فلما جاء على رأسه حزمَة حطبِ ألقاها ثم قعد في البيت فكلمه ثم أعطاه ثلاثة دراهم فاشترى بها طعامًا وشرابًا فلَما كان في اليوم الثاني فعل به ذلك وكذلك في اليوم الثالث ثم قال له: إني أحب أن تكتب لي أمانًا إن أنت ملكت يومًا من الدهر. قال: تسخر بي!. قال: لا ولكن ما عليك أن تتخذ عندي بها يدًا. قالت له أمه: وما عليك إن كان وإلا لم ينقصك شيئًا. فكتب له أمانًا فقال: أرأيت إن جئت والناس حولك قد حالوا بيني وبينك فاجعل لي آية تعرفني بها. قال: ترفع صحيفتك على قَصَبة فأعْرِفُك بها فكساه وأعطاه. فلما قتل يحيى أصبح دمه يغلي فلم يزل يُلْقَى عليه التراب ويغلي إلى أن بلغ سور المدينة وخرج بخت نصر من قبل صيحائين الملك فتحصن القوم منه في مدائنهم فلما اشتدَ عليه المقام هَم بالرجوع فخرجت إليه عجوز من عجائز بني إسرائيل فقالت: إن فتحت لك المدينة أتعطيني ما أسألك فتقتل مَنْ آمرك بقتله وتكف إذا أمرتك. قال: نعم. قالت: إذا أصبحت فأقسم جندك أربعة أرباع ثم أقم على كل زاوية ربعًا ثم ارفعوا أيديكم إلى السماء فنادوا: إنا نستفتحكِ باللّه بدم يحيى ابن زكريا فإنها سوفَ تتَساقط. ففعلوا فتساقطت المدينة ودخلوا من جوانبها فقالت: أقتل على هذا الدم حتى يسكن فقتل سبعين ألفًا فلما سكن الدم قالت: كف يدك فإنه إذا قُتل نبيّ لم يرض اللّه حتى يُقتل مَنْ قتله ومَنْ رضيَ قتله. فأتاه صاحبُ الصحيفة بصحيفة فكفّ عنه وعن أهل بيته وخَرب بيت المقدس وأمر أن يطرح فيه الجِيف وقال: مَنْ طرح فيه جيفة فله جزْيُته تلك السنة وأعانه على إخرابه الروم من أجل بني إسرائيل إذ قتلوا يحيى. فلما خربه بخت نصَر ذهب معه بوجوه بني إسرائيل منهم: دانيال فلما قدم أرض بابل وجد صيحائين قد مات فَمَلك مكانه فقال له المجوس: إن الذين قدمت بهم دانيال وأصحابه لا يعبدون إلهك ولا يأكلون من ذبيحتك فدعاهم فسألهم فقالوا: أجلْ إن لنا ربًا نعبده ولا نأكل من ذبحتكم أ فأمر بخَد فخُد لهم فألقوا فيه وهم ستة وألقِيَ معهم سَبُع ضارٍ ليأكلهم فلما راحوا إليهم وجدوهم جلوسأ والسبعُ مفترش ذراعيه ووجدوا معهم رجلًا فعدوهم فوجدوهم سبعة فقالوا: إنما كانوا ستة فخرج السابع وكان ملكًا فلطم بخت نصر لطمة فصار في الوحش فكان فيهم سبع سنين. قال أبو جعفر ابن جرير الطبري: وقول مَنْ قال إن بخت نضر هو الذي غزا بني إسرائيل عند قتلهم يحيى غَلَط عند أهل العلم بأمور الماضين لأنهم أجمعوا على أن بخت نصر إنما غزا بني إسرائيل عند قتلهم نبيهم شعياء في عهد إرمياء وبين أرمياء وتخريب بخت نصر بيت المقدس إلى مولد يحيى أربعمائة سنة وإحدى وستون سنة وهذا مما يتفق عليه اليهود والنصارى ويذكرون آن ذلك في أسفارهم مبين وذلك أنهم يَعدون من لدن تخريب بخت نصر بيت المقدس إلى حين عُمرانها في عهد كيرش أصبهبذ بابل من قِبل بهمن ثم من قِبَل خماني سبعين سنة ثم من بعد عمرانه إلى ظهور الإسكندر عليها وحيازَة مملكها إلى مملكته ثمانيًا وثمانين سنة ثم من بعد مملكة الإسكندر إلى مولد يحيى ثلثمائة وثلاث سنين فذلك على قولهم أربعمائة وإحدى وستون سنة. وأما المجوس: فإنها توافق اليهود والنصارى في مدة خراب بيت المقدس وأمر بختنصر وما كان من أمره وأمر بني إسرائيل إلى غلبة الإسكندر على بيت المقدس والشام وهلاك دارا وتخالفهم في مدة ما بين ملك الإسكندر ومولد يحيى فتزعم أن مدة ذلك إحدى وخمسون سنة. وقال محمد بن إسحاق: لما رجع بنو إسرائيل من بابل إلى بيت المقدس ما زالوا تحدِثون الأحداثَ ويُبعث إليهم الرسل فريقًا يكذبون وفريقًا يقتلون حتى كان من آخر مَنْ بُعِثَ إليهم زكريا ويحيى وعيسى وكانوا من بيت آل داود فلما رفع اللّه عز وجل عيسى وقتلوا يحيى وبعض الناس يقول: وقتلوا زكريا ابتعث الله إليهم ملِكًا من ملوك بابل يقال له: خردوس فسار إليهم بأهل بابل حتى دخل عليهم الشام فقال لصاحب شرطته: إني كنت حلفت بإلهي: لئن أنا ظهرت على أهل بيت المقدس لأقتلنَهم حتى تسيل دماؤهم في وسط عسكري إلى الأ أجد أحدًا أقتله فدخل بيت المقدس فوجد دمًا يغلي فقال: ما بال هذا الدم يغلي. فقالوا: هذا دم قربان قربناه فلم يُقْبَل مِنا. فقال: ما صدقتموني. فقتل منهم خلقَاَ كثيرًا على ذلك الدم فلم يسكن. فقال: ويلكم أصدقُوني قبل ألأَ أترك منكم أحدًا فقالوا: هذا دم نبي منَا قتلناه فقال: لهذا ينتقم منكم ربكم فأمر وذبح من الخيل والبقر والبغال والغنم حتى سال الدم إلى خردوس فأرسل إليه: حسبك. وهذه الوقعة الأخيرة التي قال اللّه تعالى فيها: {فإذا جاء وعد الآخرة لِيَسُئُوُاْ وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة}. فكانت الوقعة الأولى بخت نصر وجنوده ثم ردّ الله له الكرة عليهم ثم كانت الوقعة الأخيرة خردوس وجنوده وهي كانت أعظم الوقعتين فيها كان خراب بلادهم وقتل رجالهم وسبيُ ذراريهم ونسائهم يقول الله تعالى: فصل قال مؤلف الكتاب: وقد بعث الله عز وجل بين موسى وعيسى عليهما السلام خلقًا كثيرًا من الأنبياء أكثرهم لم يذكر اسمه وقليل منهم يذكر. قال ابن مسعود: كان بنو إسرائيل يقتلون في اليوم ثلثمائة نبي ثم يقوم سوق نعلهم آخر النهار. وروى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما صدق نبي ما صدقت أن من الأنبياء من لم يصدقه من أمته إلا الرجل الواحد ". فمن الأنبياء أصحاب الرس قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: كان أصحاب الرس يعبدون شجرة فبعث الله تعالى إليهم نبيًا من ولد يهودا بن يعقوب فحفروا له بئرًا وألقوه فيها فهلكوا. وقال سعيد بن جبير: كان لهم نبي يقال له: " حنظلة بن صفوان " قتلوه فأهلكهم اللّه. فأما قتادة ووهب فقالا: هم قوم شعيب. وقال السدي: هو حبيب النجار. واللّه أعلم.
|